الطرقات هي نهضة للاقتصاد المحلي، هي شرايين لإنعاش العلاقات الإنسانية والاجتماعية والتربوية والتجارية، والرباط منذ سنة 2000، لم تعد ممرا وطنيا ولا جهويا، ولا حتى إقليميا، حيث أن وسائل نقلها لا تتجاوز مداخل المدينة بعد تقنينها لعبور الآليات المتوجهة شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، فلماذا إذن غرقت طرقاتها بحركة السير وبشكل غير منظم؟ ليكون الجواب: لأن مدينة الأنوار، لم تفكر في وضع تصميم مديري لشوارعها ومداراتها.
فعندنا مجلس جماعي، وعندنا مجلس العمالة، وعندنا شرطة إدارية من مهامها تنظيم السير، وعندنا القسم التقني للطرق، وعندنا لجنة المرافق الحيوية، وعندنا ميزانية تقتطع منها سنويا بين مليار و600 مليون خاصة بالطرقات الحضرية التي تتوزعها المجالس فيما بينها (الجماعية والإقليمية والجهوية)، وتتكلف مديرية التجهيز التابعة لوزارة التجهيز والنقل، بالطرقات الوطنية، وعندنا، أيضا منتخبون لا يفقهون في حركة السير، سوى أنها طرقات تزفت بالإسفلت وترش بالقطران ذي الرائحة المعلومة، في حين أن إصلاح الشوارع، هو البناء والتشييد اعتمادا على تصميم يبين تجهيزاتها بوضوح، فهل عند منتخبينا هذا التصميم، أم أنهم يكتفون بالتزفيت لإقبار العيوب ودفن الحفر حتى يتمكنوا من العودة إليها بعد سنة لتجديد الدفن والإقبار، وطبعا مقابل مئات الملايين؟
وها هي طرقاتنا تكاد تلتصق بالسماء من كثرة “الطبقات” الإسفلتية التي تخفي العيوب الحقيقية، وتتجاوز الأرصفة علوا، وتقفل أغطية “القواديس”، وما إن ينقضي فصل الصيف بحرارته المرتفعة وتهبط أولى قطرات المطر حتى يتبخر “الزفت” ويسيل فتتحول الشوارع إلى بركات مائية، وتستيقظ الحفر معلنة ذهاب الملايير أدراج الرياح – وبالصحة والراحة لـ “المصلحين”- ولأن المنتخبين كرماء، فهم لا يطلبون ضمانة على كل الإصلاحات ما دامت ممولة من الشعب وليس من جيوبهم (وخلونا ساكتين).
وبالرغم من عدد المجالس والمصالح المكلفة بالطرقات، فلا أحد من التقنيين فكر في تحصين الشوارع بتصميم مديري وبكناش تحملات الصيانة التي يجب أن تكون ببناء أساسه الحديد والإسمنت، ثم تغطيته بمادة خاصة بمقاييس مدروسة.
في غياب هذا التصميم المديري والتقنين في الإصلاحات، ستستمر العشوائية التي هي سبب اختناق السير و”نسيان” ممرات الحافلات والتاكسيات والراجلين، وأكثر من هذا وذاك، عدم خلخلة خريطة الطرقات التي عمرت زهاء 30 سنة، دون تغيير في الاتجاهات، ولا حتى في التوقف حتى يخيل لنا بأن الرباط معفية من إدخال التقنيات الجديدة على طرقاتها، وأنها “تسكب” الملايير على إفساد الشوارع، بيد أنه لولا المشروع الملكي الذي أنقذ مما يمكن إنقاذه، لكنا أضحوكة بسبب ترقيع شوارعنا بشكل لا يليق بعاصمة المملكة، ولا بمدينة الأنوار، فأين تذهب إذن ملايير إصلاح الطرقات؟