تروبادور المغرب، بإرادته القوية وقريحته الشعرية ولغته الزجلية استطاع أن ينسج روابط اللحن والشجن في قلوب العاشقين للنظم والزجل، إنه محمد عزيز بنسعد الشاعر المبدع الذي امتح من آلامه ومعاناته الأمل في الوجود لمتابعة سبيل الإبداع وإن كانت غاصة بالشوك في كثير من الأحيان فإنها تظل المتنفس الذي يضمد الجروح ويسكن الروح عبر المعاني والقوافي والحروف متخذا من الثرات المغربي الأصيل واللهجة العامية العريقة، إلى جانب التجارب الذاتية واحتكاكه بالواقع المعيشي وثقافته الأدبية مرجعا رئيسا في انبثاق دواوينه الشجية منها:"مدهي بسكاتي،حثيث بلا مغزل،صياد المعاني، الطنز العكري، لمداد ليل والمعنى كمرة، إضافة إلى عمله الجديد: التروبادور... "عزيز بنسعد" رغم إعاقته قبل برحابة صدر عقد دردشة مع "الجريدة بوان" سبرنا من خلالها أغوار الزجل المغربي؛ الجنس الأدبي الذي لم يحظ بعد بالمكانة التي يستحقها وتقفينا أثره ومظاهره فكان الحوار التالي:
1حدثنا عن علاقة "عزيز بنسعد" مع الزجل من خلال مسارك الإبداعي لاسيما ديوانك الأخير "التروبادور".
للاجابة عن هذا السؤال، أحبذ أن أبتدئ جوابي من تسمية العنوان بوصفه العتبة الأساس التي يتلمسها الناس للوصول إليك . للعنوان أهمية في إضاءة القصائد عبر ما يضفي عليها من معان و دلالات أو هوامش حتى ، وقد يشمل الاضمومة بأكملها ففي (التروبادور ) مثلاً وما احتواه من تيه و ترحال غلب على معظم القصائد بغية استرداد ماضٍ نستعيده قصيدة قصيدة ، وحاضرٍ نستعيره طللا طللاً. نتمثّله ليكون الحاضر الغائب فينا. ليشمل تاريخاً وفردوسا افتقدناهما معا نحن الضالعين في الاضمحلال طوعا.
2.ماهي طقوس الكتابة عندك؟ وبمن تأثرت من الادباء؟
لا توجد لدي طقوس معينة في الكتابة ..لأنني أناضل على أكثر من واجهة إبداعية ولكل وجهة طقس ، وفي أحايين كثيرة اضطر لتحويل طقس الكتابة الصباحية الى قاعة انتظار قد تطول حتى ما بعد الزوال ، كي تزول روائح الأبخرة والأدخنة التي قد يطول مداها ويقصر حسب مزاج ورغبة صاحب ورشة المطالة التي بجانبي ، موزع أخاك لا بطل أواصل نظم أزجالي ، أو أتابع المنحى التصاعدي للتأليف الدرامي، أو اخط جذاذة لسيناريو محتمل قد يلوح في الافق .
اما بخصوص الأدباء الذين مروا علي وتركوا أثرهم بحق ، فقد أذهلتني في سن مبكرة براعة محمود درويش في القدرة على تحويل رمزية الذات والانبعاث من جديد كشاعر القضية .. تلك المقدرة على نقل ما هو ذاتي إلى موضوع كما في قصيدته (انا يوسف يا ابي )، وما هو موضوع إلى ذات كما في قصيدته (أنا لست لي. أنا لست لي).
وابهرني كذلك أدونيس كقامة شعرية وازنة وكهامة فكرية ثاقبة ، أثارت في ذهنيتي أسئلة لا زالت معلقة الى يوم الناس هذا، وستظل عالقة في الأذهان ما دام هناك خيط ناظم بين الشعر والهذيان.
3. نلمس من خلال أعمالك هيمنة نبرة الحزن على مختلف القصائد. هل أنت ممن يستمد إبداعه من الألم ؟ وما سبب هذه المعاناة؟
كانت آلامي عدوّة لي ، فقد أساءت إلي كثيرا . وكان حظي منها أوفر بكثير من الأحلام القرمزية ، لهذا كان شعاري في الحياة دوما : من الألم نكتب ، وللأمل نسير .
يقال من رحم الألم نشأ الشعر ، وترعرع في ظل أجواء عصيبة ، فبالنظر إلى أيام الحبو الأولى نجده يتعثر بمتاريس واقع الحال ويكابر، متحملا أعباء ذاك الوضع المأزوم وتصريفه بأوجاع مختلفة ، لكن في المقابل وضدا على سوء الفهم ، لا يتورع في الكشف عن سوءة البلد وما يعتريها من زيف، هكذا هو الشعر يدفع بالناس إلى تغيير حال بحال من حالة الكآبة والملل إلى الأفضل .
4.تكتب الزجل بالعامية المغربية منذ سنوات. كيف تنظر اليوم إلى هذا الصراع اللغوي بين دعاة العامية وأنصار لغة الضاد؟
أتفق مع هذا التصريف انه صراع لغوي وأرى في إجابتي عن سؤال سابق تطبيقاً له. فالجدل اللغوي في المغرب جزء من الجدل الثقافي، وهذا السجال الدائر بينهما هو جزء لا يتجزأ من الجدل السياسي الذي يعكس صراع الشعب المغربي بمختلف اطيافه ، وبين الاستعمار الفرنسي الممنهج ، مادامت المصالح متداخلة فيما بينها ، فعندما تسجن لغة الضاد في المساجد وبعض المؤسسات التعليمية، وتوظف الدارجة ضدا على طبيعتها، لا نصبح أمام ازدواجية، بل أمام سيطرة مطلقة للفرنكفوينة في المغرب . هناك إذن تدخل خارجي، وهنالك غزو وتعسف وفساد كما هو حال أوضاعنا ليست الثقافية، بل الاقتصادية والسياسية واللغوية ايضا .
5.لا تزال هناك نظرة تهميشية للزجل المغربي خاصة على مستوى البرامج التعليمية، كيف يمكن تجاوز هذا المأزق؟
القصيدة الزجلية حقّاً سلكت مسلكا واعيا وانفتحت بالتالي على مسارات متعددة ، كما شهدت تطوراً ملموسا في تعدد مناحيها ، وهذا لا يضر بها بل يزيد في غناها شكلا ومبنى .. اما الخطر الذي يتهددها ليس خارجيا كما في الاعتقاد بل داخليا يأتي من بعض الأسماء التي تطالعنا بين فينة وأخرى بغرض الإساءة للزجل مرة بالانفتاح على اكذوبة العروبة ومرات بالكولسة والتضبيع ، لكن في نهاية المطاف سيبقى الإبداع هو سيد الجميع .
6.اليوم أصبحنا نرى ظهور العديد من الشباب الذين يقتحمون المجال الإبداعي لا سيما الزجل أو الشعر الحر... هل تعتبر أن الظاهرة صحية أم أنها أساءت للإبداع؟
ما دمنا متيقنين بأنه لا إبداع من فراغ ، أود أن أنهي إجابتي عن سؤالك هذا بالإشارة إلى أن شرطية الإبداع وضرورة الاطلاع يطرحان نفسيهما وبإلحاح على ساحتنا الزجلية .
نشكو فعلا من هذه الضائقة الشعرية بعدم قدرتنا على تمثل الجيد إلاّ في بعض الأصوات الزجلية القليلة حتى أصبح العثور على قصيدة زجلية كالعثور على خاتم سيدنا سليمان بينما يفترض في الشعر أن يكون خبز الجميع كما حلم به ذات مرة رامبو .
loading...