
الغباء السياسي بطولة نتنياهو وترامب”
غباء بنكهة بطيخ: ترامب الأخرق ونتنياهو اللصّ الفاشل
السياسة في العادة لعبة الكبار. تحتاج إلى دهاء، صبر، وقراءة دقيقة للتوازنات. لكن ماذا يحدث حين يقود المشهد بائع بطيخ يظن أن الشرق الأوسط مجرد “مول تجاري”، ومعه لصّ مرتبك يتخيل نفسه ماكرًا؟ النتيجة: حصار قطر. مسرحية غباء سياسي بامتياز، بطلها ترامب ونتنياهو.
ترامب… بائع البطيخ في البيت الأبيض
ترامب دخل المنطقة كما يدخل بائع بطيخ إلى السوق: يقلب الثمرة، يطرق عليها بأصابعه، ثم يقرر: “هذه جيدة، وتلك فاسدة”. هكذا تعامل مع الدول. بلا معرفة، بلا رؤية، فقط ضوضاء وصفقات.
ظن أن حصار قطر سيجعل الجميع يهرول وراءه، كزبائن يجرون وراء تخفيضات موسمية. لكن النتيجة كانت العكس: الخليج انقسم، تركيا وإيران تمددتا، وصفقة القرن التي أراد تسويقها تبخرت قبل أن ترى النور. بائع بطيخ لا يصلح لإدارة أعقد منطقة في العالم.
نتنياهو… لصّ مرتبك في الظلام
أما نتنياهو، فقد تصرف كلصّ دخل بيتًا مظلمًا لسرقة الذهب. ارتطم بالأثاث، أحدث جلبة، وانكشف أمره.
تصوّر أن حصار قطر سيخرس الجزيرة ويضعف المقاومة. لكن الجزيرة خرجت أقوى، والمقاومة لم تنكسر، بل ازدادت تعاطفًا ودعمًا. وما كان الا لصّ مرتبك يترك بصماته على الجدران ثم يزعم أنه نفذ العملية بنجاح!
هدية إسرائيل وأمريكا للعرب: ضرب قطر
بات المشهد الإقليمي العربي أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وكأن رقعة الشطرنج السياسية لم تعد تدار فقط من العواصم العربية، بل من مراكز قوى أكبر، تقرر متى تتحرك القطع ومن يخرج من اللعبة. وسط هذا المشهد، يطفو على السطح سؤال شائك: هل كان ضرب قطر بالفعل “هدية” إسرائيل وأمريكا إلى بعض العواصم العربية، وفي مقدمتها القاهرة؟
مصر بين التحديات والفرص
مصر، بثقلها التاريخي والجغرافي والديموغرافي، لطالما كانت حجر الزاوية في أي مشروع إقليمي. لكن منذ سنوات ما بعد 2011، وجدت نفسها محاصرة بجملة من التحديات: اقتصاد منهك، إرهاب في سيناء، ضغوط خارجية على ملفات مثل حقوق الإنسان، فضلًا عن تهديدات مائية وجودية بفعل سد النهضة الإثيوبي.
في خضم هذه الأزمات، كان هناك إدراك إقليمي ودولي بأن القاهرة بحاجة إلى “جائزة ترضية” تبقيها في محور “الاعتدال”، وتضمن اصطفافها مع الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
قطر: الهدف السهل والمعقد
قطر، بما تملكه من ثروة مالية ضخمة، ونفوذ إعلامي عبر شبكة “الجزيرة”، وسياسة خارجية متشابكة، بدت للبعض هدفًا مناسبًا للضغط والتقليم. من وجهة نظر خصومها، كانت قطر تفتح الباب واسعًا أمام الإسلام السياسي، وتستضيف قيادات معارضة عربية، وتلعب أدوارًا لا تتسق مع “الإجماع الخليجي”.
بالنسبة لإسرائيل وأمريكا، فإن ضرب قطر — أو على الأقل تحجيمها — كان فرصة لإضعاف أحد مصادر الدعم الإعلامي والسياسي للقضية الفلسطينية ولحركات المقاومة، ولإعادة هندسة البيت الخليجي بما يتماشى مع “صفقة القرن” ومن بعدها موجة التطبيع.
التحالف غير المعلن
لم يكن سرًا أن بعض العواصم العربية، وعلى رأسها القاهرة والرياض وأبوظبي، وجدت نفسها في لحظة توافق نادر مع واشنطن وتل أبيب على أن قطر يجب أن “تعاقب”. الأزمة الخليجية التي تفجرت في 2017 لم تكن مجرد خلاف بين جيران، بل تجسيدًا لرغبة في كبح جماح الدوحة وإعادة رسم خرائط النفوذ.
ولمصر، تحديدًا، بدا المشهد وكأنه “هدية” سياسية: خصم إعلامي عنيد يُحاصر، ونفوذ مالي وإعلامي يتراجع، مع إعطاء القاهرة دورًا محوريًا في المشهد الجديد باعتبارها ركيزة الاستقرار و”اللاعب الكبير” الذي لا غنى عنه.
حسابات الربح والخسارة
لكن السؤال: هل كانت هذه الهدية فعلًا في صالح مصر؟
على المدى القصير، نعم: فقد خفت صوت الجزيرة ضد القاهرة لبعض الوقت، وتراجعت حدة الحملات الإعلامية، ووجدت مصر نفسها جزءًا من محور إقليمي قوي مدعوم أمريكيًا. لكن على المدى الطويل، فإن مثل هذه الصراعات الداخلية بين الأشقاء العرب لم تثمر إلا مزيدًا من الانقسام وإضعاف البيت العربي من الداخل، بينما المستفيد الأكبر ظل — كالمعتاد — إسرائيل التي نجحت في جعل العرب ينشغلون ببعضهم بدلًا من التفرغ لمعادلتها الوجودية.
نهاية يمكن القول: إن ضرب قطر لم يكن مجرد أزمة خليجية، بل كان فصلًا جديدًا من لعبة إدارة المنطقة من الخارج. قد تكون مصر قد استفادت مؤقتًا من هذا الوضع باعتباره “هدية” أمريكية-إسرائيلية، لكن التاريخ أثبت أن الهدايا المسمومة غالبًا ما تحمل في طياتها بذور الانقسام والضعف.
المعادلة الحقيقية لمصر، ولكل العرب، ليست في ضرب هذا أو ذاك، بل في إعادة بناء مشروع إقليمي عربي مستقل، يضع مصالح الأمة فوق الحسابات الضيقة، ويعيد البوصلة إلى وجهتها الأصلية: فلسطين.
والخلاصة ..
ضرب قطر لم يكن ذكاءً سياسيًا ولا إنجازًا استراتيجيًا، بل غباءً بنكهة بطيخ. أراد ترامب الأخرق ونتنياهو اللصّ الفاشل أن يظهرا كقادة تاريخيين، فإذا بهما يبدوان كأغبى ثنائي عرفته المنطقة: بائع بطيخ وحرامي الليل… يتوهّمان أنهما يكتبان التاريخ!