التقيت ولدي الأب الذي صلبهما وعذبهما في نفس اليوم الذي أدانت فيه المحكمة والدهما بخمسة سنوات حبسا نافذا..
بدا الطفل بلال أكبر من سنه بكثير.. عمره ست سنوات لكنه يتحدث عن « التعلاق » وضغط الزوج على الزوجة، لكي تعود من السعودية.. يتحدث عن والده ووالدته، بتعبيرات تنهل من قاموس الكبار.. كلمات أكبر منه بكثير.. وفي معجمه كلمات نابية.. يتفوه بها ببراءة الأطفال وتخرج من فمه وكأن عملية التعذيب والانتهاك مستمرة وقد سكنته كلماتها وحركاتها وسكناتها، التي باتت جزءا لا يتجزأ من يومياته..
حينما أنكر الأب أمام هيئة المحكمة أن يكون عذب في يوم من الأيام ولديه، مدعيا تارة أنها صور مفبركة وتارة أخرى أنها كانت مزحة ليس إلا، كان هناك ابنه بلال ليحكي التفاصيل وليذكر والده أن الكسر الذي في قدم فلدة كبده وعلامات الضرب والجرح الغائرة، ليست مزحة ولا يمكنها أن تكون كذلك.. بكى الكثيرون من هيئة المحكمة الموقرة، ولا جفت دموع من حظروا المحاكمة، وهم يشاهدون فيديوهات، ما تسرب إلى الفضاء الأزرق، على فظاعته ووحشيته، لا يقول كل شيء عن سادية الأب..
وإليكم ما عاينته ولن تنقله لكم كاميرا « فبراير.كوم »، لأننا حرصنا على أن نحجب وجه الطفلين، الابن الأصغر كثير السهو.. يتحسس كتفيه وأعضاء من جسده، وهيناه شاردتان.. والابن الأكبر حرق مراحل الزمن الغارق في الفقر رالتعذيب، وبدا أكبر من عمره بكثير.. علمت من السيدة مدرج الحتروبة، رئيسة جمعية التعاون والتضامن للمرأة والأسرة والطفل ومن والدته، أنه يرسم باستمرار سيوفا وسكاكين يريدها أن تكون حادة وقاطعة، قال لـ »فبراير »: » بغيت نكون جدارمي ونشد كلشي.. » !
« بابا كيقجنا.. وخشانا في البرميل.. ضربنا بالسمطة.. كب علينا سطل الما.. خنقنا.. الصباح الآخر كيعاود يديرها.. كنا نأكل مرة واحدة في اليوم.. باش امي تجي من السعودية.. » والكلمات للطفل بلال الذي لازالت صور تعنيف والده تتراقص بين عينيه.
من صور كل مشاهد العنف السادية التي مارسها الأب على ولديه؟ إنه السؤال الذي حيّر كثيرين تابعوا فيديوهات قاسية على الفضاء الزرق. الجواب يأتي على لسان الطفل بلال: » كان والدي يضع الهاتف المحمول بين وسادتين، ليلتقط مشاهد العنف الممارس علينا، وسرعان ما يرسله لوالدتي عبر الواتساب »
انتقلنا من اللقاء بالطفلين اللذين لازالا في عهدة مدرج الحتروبة رئيسة جمعية التعاون والتضامن للمرأة والأسرة والطفل، إلى اللقاء بجدة الطفلين، أم والدتهما، التي لعبت دورا في فضح المستور. بدت تائهة .. لا تعرف هل ستفرح لأن زوج ابنتها أو بالأحرى، معذب حفيديها اعتقل؟ هل تسعد لأن المحكمة منحتها حضانتهما، أم تبكي لأن الـ5 سنوات حبسا نافذة مجحفة بالنسبة لها، كما أكدت لـ »فبراير.كوم ».. قالت لنا بالحرف: » كيف يدان بخمسة سنوات من عذب ولديه.. كيف يدان بخمسة سنوات فقط، من عرى ولديه وهدد باغتصابهما في مشاهد مخزية.. إنه يهددنا من داخل السجن.. أقسم أن ينتقم منا، وأن يدبحنا من الوريد إلى الوريد، بعد مغادرته السجن واحدا واحدا، بمن في ذلك ولديه.. »
ما الذي يفسر كل هذا العنف؟
إليكم القصة والبدايات الخاطئة والاغتصابات التي تتوالى تباعا داخل الأسرة نفسها. بدأ كل شيء حينما اغتصب شاب شابة، ولأن الأسرة لم تقبل ما وصفته بالفضيحة، فقد تزوج المغتصب من ضحيته، وولد الابن الأول ولم تنته قصص الاغتصاب والزوج يغادر السجن ليعود إليه من جديد في قضايا تتراوح بين الضرب والجرح وتناول المخدرات..
القصة ستطول كما ترويها لـ »فبراير.كوم » الأم والزوجة التي حدثتناعبر الهاتف، لكنها تدق ناقوس العنف الذي يتغدى على المخدرات ليجعل من بعض الأسر قنابل موقوتة.
قبل أن أودع الطفلين اللذين تعرضا لأبشع أنواع التعذيب، عبرا على طريقتها ودون إيعاز من أحد عن تشبثهما بالحياة وسعادتهما بولادة جديدة، وهما يرفعان ابهامهما، وكأنهما يحتفلان ببقائهماعلى قيد الحياة، بعد عملية تجويع وتعنيف استغرقت 60 يوما تقريبا.