
تحليل خاص – بقلم علي خليل
حين خسر ترامب نوبل… وربح العرب لحظة وعي
لم يكن إعلان لجنة نوبل حرمان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جائزة السلام لعام 2025 مجرد خبر عابر في نشرات المساء؛ بل تحوّل إلى زلزالٍ سياسي وإعلامي امتدّ صداه من واشنطن إلى العواصم العربية والاوروبية.
فبينما رأى البعض في القرار انتصارًا للعدالة الأخلاقية بعد سنوات من السياسات المثيرة للجدل، اعتبره آخرون تجسيدًا لتحيّزٍ أوروبي ضد نهج “الصفقات” الذي تبنّاه ترامب في الشرق الأوسط.
الإعلام العربي بين التشكيك والتحليل
في الشارع العربي، لم يكن القرار مفاجئًا بقدر ما كان محفزًا للنقاش حول معنى “السلام” ذاته.
فقد انقسمت الصحف والقنوات العربية بين من يراه عقابًا مستحقًا لسياسات ترامب في غزة والقدس، ومن يعتقد أنه تسييس أوروبي لمؤسسة يفترض أن تكون محايدة.
ففي الجزيرة، وُصف القرار بأنه “انتصار متأخر لأخلاق السياسة”، معتبرة أن منح ترامب الجائزة كان سيُعدّ “تبييضًا لممارساتٍ ساهمت في تفجير أزمات جديدة في الشرق الأوسط”.
أما العربية فتبنت مقاربة أكثر واقعية، إذ رأت أن “ترامب وإن أخطأ في بعض الملفات، إلا أنه منع اتساع الحرب في غزة وساهم في تهدئة ميدانية مؤقتة.”
وبين هذين الاتجاهين، برز تيار ثالث من الكُتّاب والمحللين العرب الذين تساءلوا:
“هل الجائزة تعاقب الأشخاص أم الأفكار؟ وإذا كانت معاييرها أخلاقية، فهل يمكن لأي زعيم عالمي أن ينجو من حساب التاريخ؟”
لكن في العواصم الخليجية، بدا الخطاب أكثر توازنًا.
رأى بعض المعلقين أنه رسالة أوروبية موجهة إلى واشنطن بأن “الهيمنة لا تمنح جوائز”، فيما اعتبره آخرون انحيازًا أوروبيًا ضد رئيسٍ يمارس السياسة خارج المعايير التقليدية.
فقد كتبت صحيفة الشرق الأوسط أن “قرار لجنة نوبل يعيد الجائزة إلى معناها الحقيقي، بعد أن حاول ترامب استخدام ملف السلام لتلميع صورته أمام الشعب الأمريكي.”
أما سكاي نيوز عربية فذهبت إلى أن “اللجنة فضّلت الأخلاق على الدعاية، لأن سلام ترامب لا يخرج من قاعات التفاوض بل من حساباته الانتخابية.”
لكن الموقف المصري لم يكن مفاجئًا؛ فالقاهرة كانت دائمًا الطرف الأكثر واقعية في معادلة الشرق الأوسط، تدرك أن السلام لا يُصنع في المؤتمرات بل في ممرات المخابرات واتفاقيات وقف النار.
ومع ذلك، لم تُخفِ بعض الأصوات المصرية ارتياحها لما اعتبرته “تصحيحًا رمزيًا” لصورة زعيمٍ ربط اسمه بصفقة القرن، أكثر مما ربطه بأي سلامٍ حقيقي.
لهذا لم يكن قرار لجنة نوبل النرويجية بعدم منح جائزة السلام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجرد حدث رمزي عابر، بل لحظة كاشفة في توازنات العالم المعاصر.
القرارٌ بدا في ظاهره متعلقًا بتكريم أو حرمان شخص، لكنه في عمقه محاكمة أخلاقية لسياسات القوة التي اختزلت مفهوم السلام في مفاوضات سريعة ووصفقات إعلامية قصيرة الأمد.
لذلك كان ترامب على تقديم نفسه باعتباره “صانع الصفقات الكبرى”، الذي يوقف الحروب بالتهديد كما يوقّع المعاهدات بالتغريدة.
ولذلك، جاء رفض لجنة نوبل منحه الجائزة كصفعة شديدة لرجلٍ يرى في الدبلوماسية أداة تسويق أكثر منها فلسفة توازن وعدالة.
لكن لابد ان نفرق بين الموقف الوشنطى وألاوروبى :
كان رد البيت الأبيض سريعًا وغاضبًا.
المتحدث الرسمي قال إن ترامب “سيواصل مساعيه من أجل السلام رغم تجاهل اللجنة المتكرر لإنجازاته”.
لكن خلف هذا التصريح بدا واضحًا أن الإدارة الأمريكية تشعر بأن أوروبا أرادت ان تسير خلف الاتجاه وتعلم على ترامب بأضعاف الهيمنة الأمريكية وبالاخص بعد الدور الذى لعبه ترامب في الضغط على الناتو وتقليص التمويل الأمريكي لمؤسساته.
لذلك احتفت العواصم الأوروبية بالقرار باعتباره انتصارًا لاستقلالية اللجنة.
قالت وزيرة الخارجية الألمانية إن “السلام لا يمكن أن يُكافأ حين يُستخدم كوسيلة ضغط سياسي”، بينما كتبت صحيفة لوموند الفرنسية أن “العالم ليس فى احاجة إلى جوائز لمن يصنع سلامًا مشروطًا بالقوة.”
كانت ردود الافعال الاوروبية لحظة فارقة، ليس فقط في العلاقة بين واشنطن وأوروبا، بل في الطريقة التي يرتبط بها مفهوم السلام في القرن الحادي والعشرين: وهنا السؤال هل هو توازن للمصالح أم توازن للقيم؟
اما عن رد فعل المصوبة اليهم دانات المدافع والمفروض عليهم القتل والتنكيل والموت جوعا كان بكل استحياء : عدالة مؤجلة تنتصر رمزيًا
في غزة ورام الله، استُقبل القرار كعلامة رضا أخلاقية.
قال المتحدث باسم حركة حماس:
“من يبرر العدوان لا يُكرَّم بجائزة سلام.”!!
بينما أصدرت السلطة الفلسطينية بيانًا أكثر دبلوماسية جاء فيه:
“قرار لجنة نوبل يعكس وعيًا متزايدًا بأن السلام لا يمكن فرضه من واشنطن، بل يُبنى على إنهاء الاحتلال وتحقيق المساواة.”
هذه المواقف لم تكن مجرد رد فعل سياسي، بل كان عبارة عن استنشاق نفسا واحدا مملؤ برائحة الموتى وركامات المبانى لشعبٍ يرى العالم كثيرًا ولا يسمع منه إلا القليلً .. بالفعل مجرد سماع ردود افعال فقط لاتغيير .؟!
ففي نظر الفلسطينيين، استبعاد ترامب لا يعني معاداة أمريكا، بل اعترافًا ضمنيًا بأن السلام لا يُقاس بعدد الصور في المؤتمرات الصحفية، بل بغياب أصوات الانفجارات في الليل وتوقف الة القتل.
اما إسرائيل فكانت الصدمة .. حيث قوبل القرار بخيبة واضحة!!!.
كتب نتنياهو على منصة “إكس”:
“ترامب هو القائد الذي أعاد القوة والوضوح إلى الشرق الأوسط. كان الأجدر بلجنة نوبل أن تقدّر ذلك بدلًا من الانصياع لضغوط أوروبا اليسارية.”!!
لكن المفارقة تكمن في أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية نفسها تعترف بأن سياسة ترامب في غزة – رغم الدعم العسكري الغيرمحدود – أدت إلى “هدوء مؤقت” لا إلى تسوية حقيقية.
وهكذا يجد الإسرائيليون أنفسهم بين رغبة في تكريم الرجل الذي دعمهم بلا حدود، وواقعٍ أمني لم يحقق استقرارًا دائمًا.
لنترك ردود الافعال هذه ونزن في ميزان القيم والسياسة : من يستحق السلام؟
منذ أوسلو حتى اليوم،يطرح السؤال الاتى“من يستحق نوبل للسلام؟” .
فكم من زعيم وقع باصابعه التى سيأكلها الدود يوما ما كثيرا من الاتفاقات لكنها ملوثة بدماء القتلى والعطشى والجوعى هل استطاع اى زعيم يبحث عن التكريم ايقاف دماء الحرب قبل ان تسيل؟
وكم من ناشط مغمور غيّر مجرى التاريخ، دون أن يعرف اسمه أحد؟
ما فعله قرار لجنة نوبل هذا العام جعلنا نتساءل :
هل نمنح الجائزة لمن “أوقف” الحرب، أم لمن “أزال أسبابها”؟
هل يكفي أن تُجمد البنادق لأيام، كي نسمي ذلك سلامًا؟
“السلام يا زعماء القتل ليس منتجًا سياسيًا، بل قيمة أخلاقية لا تُباع في الحملات الانتخابية.”
نوبل كيف تكون .. مرآة للمفروض حدوثة ..أم جائزة لما يحدث؟ ؟
فقرار نوبل لم يسقط ترامب “الزعيم المظلوم” وحده، بل كشف هشاشة فكرة السلام في عالمٍ تهيمن عليه لغة القوة والمصالح حتى ولو بالقتل وسرقة ارض وشعب.
اخيرا استطيع ان اقول : ان العالم لا يحتاج إلى من “يحصل” على نوبل، بقدر ما يحتاج إلى من يفهم لماذا لم يحصل عليها. – (على خليل)