حضرات السيدات والسادة
في أجواء الاحتفال باليوم الوطني للمسرح، أود التعبير أولا عن سعادتنا لما نشاهده من انخراط متزايد لمختلف الإرادات في توفير شروط الارتقاء بالمسرح المغربي تفكيرا وتنظيرا وممارسة. ويشكل المنتدى الوطني للمسرح الذي يجمعنا اليوم، تعبيرا عن حرصنا على إحاطة هذا الفن العريق بكل شروط التقدم والارتقاء. إننا اليوم في الذكرى السادسة والعشرين للرسالة الملكية التي وجهها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يوم 14 ماي 1992 إلى المشاركين في المناظرة الأولى للمسرح الاحترافي. كما أننا في مسار مواصلة بلورة التوجيهات النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والسياسات الحكومية ذات الصلة بتأطير وتنمية الشأن الثقافي الوطني. ذلك كله يقتضي وقفات تقييم بأنفاس التقويم والتجويد، ولا شك أن هذا المنتدى الوطني المخصص لتدارس واقع وآفاق الصناعات المسرحية، يَنْدرج ضمن هذه الرؤية ويجسد هذا المنظور.
لقد شكلت المناظرة الأولى للمسرح الاحترافي المغربي المنعقدة بتاريخ 14 ماي 1992منعطفا أساسيا في تاريخ وروح الممارسة المسرحية المغربية. فبفضلها، وضعت أولى لَبِنات السياسة التشاركية ما بين التنظيمات المهنية والدولة، مع بروز بوادر مَهْنَنَة القطاع المسرحي وتوفير المناخ المناسب للإبداع الفني. وتعد سياسة الدعم المسرحي التي انطلقت سنة 1998 وما تلاها من سن قانون الفنان والمهن الفنية وإصدار بطاقة مهنية وإحداث أول تعاضدية وطنية لفائدة الفنانين وغير ذلك من العمليات، تتويجا لذلك التراكم الذي ينتظر منا مزيدا من الإنماء والتطوير .
ولاشك أن بلوغ هذه الأهداف، يحتاج إلى وقفة لتقييم مسار المسرح المغربي الاحترافي بغية تعزيز المكتسبات التي تجسدت مؤخرا فيبروزه على المستوى العربي من خلال احتلاله للمراتب الأولى بالمهرجانات المسرحية العربية. كما يحتاج الأمر إلى تقويم الاختلالات التي من الطبيعي أن ترافق كل تدخل في مجال لا يخلو من تعقيد . يأتي هذا المنتدى أيضا في إطار الإرادة السياسية التي اعتبرت الثقافة والفنون إحدى الركائز الأساسية للتنمية الثقافية وتقوية الهوية المغربية وتحصينها، وما أسفر عنه ذلك من تتويج دستوري يضع التنوع الثقافي والتعدد ضمن أولويات الدولة.
حضرات السيدات والسادة
لقد اعتمد هذا المنتدى مقاربة تشاركية أخذت بعين الاعتبار أراء جميع النقابات المهنية باعتبارها شريكا وفاعلا أساسيا في المجال، نتقاسم معها نفس الهم الكامن في رفع تحديات المسرح المغربي . كما حرصنا على ضمان الانخراط الفعلي لكل المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في تقوية كل الجوانب الهيكلية والتنظيمية والتشريعية والإبداعية للممارسة المسرحية، في مواكبة مستمرة للتحولات الوطنية والإقليمية والدولية. إن الارتقاء بالمسرح المغربي يقتضي تنويع مصادر تمويل الدعم المسرحي الاحترافي عبر ممولين جدد وذلك لقيام صناعة ثقافية في مجال المسرح باعتبارها السبيل الحقيقي لتنمية المسرح الاحترافي وإخضاعه لشروط الممارسة الناجحة.
ولا شك أن هذا المنتدى هو بالأساس مجال لاستعراض وجهات نظر المهنيين وعرض إكراهاتهم والتي ستكون إلى جانب مداخلات الاكاديميين والفاعلين في المجال المسرحي بمثابة منطلق نحو تصويب وتأهيل الممارسة المسرحية في أفق عقد مناظرة وطنية ثانية حول المسرح الاحترافي ستشكل بدون شك دفعة نوعية للمسرح المغربي نحو آفاق تنموية واعدة.
إن تحقيق هذه الآمال والتطلعات رهين بمدى انخراط كافة الفاعلين في هذا الأفق. وستظل أبواب الوزارة مفتوحة على كل المقترحات والتدابير الهادفة إلى وضع المسرح المغربي في سكة الإقلاع الحقيقي الداعم لعناصر المنظومة التنموية الشاملة.
والسلام عليكم ورحمة الله.