
نحمل الشعار الخالد في قلوبنا أينما حللنا: الله ـ الوطن ـ الملك. و نحمله أيضا في عقولنا بما يتجاوز درجة العاطفة المشروعة إلى مستوى القناعة الفكرية الراسخة.
كما وعدتكم أحبتي، أقدم الترجمة العربية للتحليل الاستراتيجي ( الحلم الممنوع) للمحلل السياسي و الاستراتيجي د.مراد بنيعيش.
قراءة ممتعة و مفيدة للجميع. و كل عام و مغربنا بخير.
عيدكم مبارك سعيد أحبتي.
الحلم الممنوع.
''أفضل أن أحكم من طرف أناس يعتقدون أنهم سيحرقون في النار للأبد إذا حكموني بشكل سئ، على أن يحكمني اولئك الذين يرونني مجرد مؤشر اقتصادي مناسب، يمكن حلبه مثل بقرة''
شارلز كولومب
ولدنا لنحلم، ولدنا لكي نشتغل على أحلامنا، ولدنا لكي نحقق أحلامنا. هذا أمر واقعي لصيق بكل مخلوق انساني منذ بدء الخلق، و هو حق مشروع لكل شخص على وجه الأرض. إلا أن المنطق يقتضي أن نكون واقعيين في أحلامنا، بمعنى أننا ينبغي أن نحلم وفق ما نمتلكه من وسائل و قدرات تمكننا من جعل من أحلامنا حقيقة.
كنت أتصفح إحدى صفحات الفيسبوك مؤخرا، فلاحظت أن هناك مجموعة من الناشطين المغاربة الشباب الذين قرروا أن ينقلوا حلمهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
في الواقع أن هؤلاء الشباب تبنوا حلما أكبر بكثير مما يستطيعون تحقيقه. بطبيعة الحال هم يملكون كامل الحق في تبني أي حلم، مادام حلما شخصيا لا يؤثر و لا ينعكس ـ بأية طريقة و بأي شكل ـ على الآخرين، ، و إلا سيعتبر حلمهم خرقا لحقوق الآخرين.
هؤلاء الشباب يقومون بحملة من أجل تحقيق حلم ''جمهورية المغرب'' ! قد يقول البعض إن من حقهم أن يحلموا بأي خيال يريدون، لكن قلة فقط تدرك بأن حلما كهذا ستكون له عواقب كارثية على أجيالنا القادمة، بل حتى على الجيل الحالي، الذي يفتقد إلى الفهم العميق للموروث المغربي الحقيقي، و لما تمثله الملكية في حياة المغاربة. الملكية أكثر من مجرد نظام سياسي، إنها نتاج قرون من الروابط الوثيقة بين الأسر الحاكمة للمغرب و بين الشعب. حتى قبل مجئ العرب و دخول الإسلام كديانة مقدسة جديدة يتم اعتناقها على أرض المغرب.
أؤمن بقوة أن هؤلاء الشباب ليست لديهم فكرة عن تاريخ بلدهم، و أنهم يملكون القليل أو ربما لا يملكون معلومات عن البنية السوسيولوجية المغربية. و يبدو أنهم يجهلون أن المؤسسة الوحيدة القادرة ـ فعليا ـ على ضمان الأمن و الاستقرار للمغاربة هي المؤسسة الملكية، لسبب بسيط: الملك في المغرب لا يمثل قبيلة بالذات و لا مجموعة عرقية دون غيرها، بل هو يمثل البلد برمته، و هذا هو ما كان عليه الحال على امتداد التاريخ القديم و المعاصر للمغرب. لكن، على من تقع اللائمة في جهل هؤلاء الشباب لتاريخهم، لبلدهم و لموروثهم؟
لا شك أن ضعف المنظومة التربوية في المغرب هو السبب الرئيس في هذه الكارثة، و أي تفكير مغاير يعتبر ـ أساسا ـ من قبيل الدخول في حالة إنكار للواقع.
نظرة سريعة على كتب التاريخ في المغرب تجعلنا نشعر بالشفقة على هذا الجيل الذي تم اجتثاته من ماضيه، و تدعونا للشروع حالا في إصلاح المنظومة التربوية لكي لا نقع في آفات أكبر من مجرد حلم هؤلاء الصغار الجاهلين.
هذا ليس إطلاقا من باب الثناء على الملك و المؤسسة الملكية بقدر ما هو مقاربة واقعية لشأن اجتماعي و سياسي شديد الجدية. كل ما أسعى إليه هو إلقاء الضوء على ما صار عليه شبابنا، و الإشارة بالبنان إلى المشكل الفعلي، و توجيه النظر إليه، رجاء أن نستطيع جميعا المشاركة في إيجاد حل له.
هؤلاء الذين يطالبون ب ''الجمهورية'' يفتقدون أبسط أبجديات فهم المنظومات السياسية.
يبدو أنهم يجهلون أن النظام السياسي للمملكة المغربية يرتكز على مبادئ ''الجمهورية'' أو ما يعرف عموما في العلوم السياسية ب''النظام السياسي الجمهوري''. سأناقش هذا في تحليلات أخرى، لأنه من الضروري لنا فهم بنيتنا السياسية كما يجب، قبل التصدي للنقد أو القفز نحو الخلاصات.
إن كان يعتقد هؤلاء الشباب أن الهواية بالملكية تمكن من تأمين ممارسة ''الديمقراطية'' في المغرب، فهم يعيشون في عالم من نسج خيالهم. يجدر بهم أن يعلموا أن الفكر التفضيلي موجود في المغرب على كل المستويات، و كلنا يذكر كيف أن بعض المسؤولين كانوا يفضلون جهاتهم ـ إبان وجودهم في السلطة ـ متجاهلين المناطق الأخرى للبلد. و عليه، لنا أن نتصور ما سيكون عليه الحال لو كان هناك ''رئيس''.
صحيح أن كل الأسر الحاكمة في المغرب عبر تاريخه ارست قاعدة ذهبية: أن تُخشى أكثر من أن تُحب، و كان دائما من الصعب التوليف بين الأمرين. أسأل: هل يعزى هذا لفهمهم لطبيعة المغاربة و لردود أفعالهم؟ ربما ! لكن ينبغي أن أعترف أننا لسنا بأناس طيعين و أنه من الصعب إرضاؤنا، و لهذا فالحكم بقبضة حديدية يفرض نفسه أحيانا.
صحيح أن المغرب عرف أوقاتا صعبة قبل 1999 و أن العديد من الحريات كانت مقيدة أو غائبة، لكن البلد يمضي قدما نحو الاتجاه الصحيح.
إن قطع كل الروابط مع الماضي هو إجراء يتطلب وقتا لاستكماله.
لا نستطيع محو عقود من الأساليب الشمولية في بضع سنوات، الصبر مطلوب، و العمل المشترك ضروري، و لا ينبغي لنا الاعتماد على مؤسسة محددة للقيام بعملنا جميعا.
إنه من واجب كل فرد أن يتطور على المستوى الشخصي قبل أن ينخرط في الواجب الوطني الأخير المتمثل في التأسيس للممارسة الديمقراطية، ليس هذا فقط، بل لصيانة و الحفاظ على حكم القانون و المساواة بين طبقات المجتمع، بعيدا عن أي مصلحة فردية أنانية.
ما يبدو لي واضحا، هو ان هؤلاء الشباب الجهلاء يتطلعون إلى طموح وحيد، هو ضمان القوة و تأمين أنفسهم، و متى وصلوا إلى منتهى أهدافهم، سيهاجمون و يدمرون الآخرين، بمk فيهم المتعاطفون معهم، في شكل شبيه ب''ليلة المائة سكين'' إبان حكم الرايخ الثالث.
نعم، لكل أسبابه ''المشروعة'' لتبني حلم كهذا، لكن ينبغي لهم أن يكونوا أكثر واقعية في مقاربتهم و أن يعوا بأن مشكل المغرب لا يكمن داخل أسوار القصر الملكي، بل أن هناك خلطة من المشاكل التي تتطلب النظر قبل إلقاء اللائمة على أية مؤسسة.
أعترف أن هناك عيوبا في السياسات العامة المعتمدة في البلد، لكن ألسنا جزءا من المشكل؟
نحن كذلك بالفعل. و أي واحد ينكر هذا يلزم أن ينظر إلى نفسه قبل مجاراة التيار.
المستقبل يبدو مشرقا أمام المملكة المغربية. فالمغاربة لديهم ملك شاب، ملك جيد، يهتم بالفعل بهناء الامة. هو يحتاج الآن و أكثر من أي وقت مضى إلى كل فرد من المغاربة ليقف إلى جانبه للبناء و التطوير و لمعالجة كل أشكال الرشوة في البلد. من اليسير الانتقاد في بعض الأحيان، لكن الأصعب هو تحمل مسؤولية كوننا في قلب أي مشكل سياسي أو اجتماعي.
و بالنسبة لهؤلاء الذين يحلمون ''أحلام اليقظة'' أتمنى أن يدركوا أنهم يعيشون في مجرة خاصة بهم، لا هم بواقعيين و لا بعقلانيين في مقاربتهم للسياسة المغربية.
عليهم ان يفكروا في ضم جهودهم إلى جهود بني بلدهم بدل إظهار غضب و كراهية مبالغ فيهما.
المغرب وطننا، و وطنهم، فلماذا لا نفكر في التعاون عوض خلق مواجهة سلبية لن تأتي باي شئ سوى بمزيد من التقسيم داخل طبقات المجتمع؟
و أختم بهذه المقول الجميلة لميكيافيلي: الكراهية تكتسب بالعمل الجيد كما بالسئ على حد السواء.
ملحوظة: النسخة الاصلية الانجليزية متوفرة على الرابط التالي:
https://freemindthinker.wordpress.com/2014/11/19/the-forbidden-dream/