
سمير باكير يكتب -
حان وقت استيقاظنا نحن الشعوب العربية والإسلامية. حان وقت فتح العيون، فانظروا: العالم استيقظ — استيقاظ يختلف عن كل اليقظات السابقة.
كان زمنٌ تهيمن فيه وسائل الإعلام الكبرى بتكتيكاتها وحيلها، وكان الزعماء بإلقاء خطبهم الحماسية يثيرون موجات، لكن بوصلة يقظة العالم اليوم ليست بيد الإعلام أو بشعارات الزعماء أو بجلسات المنظمات الدولية المثيرة للجدل، إنما هي بصراخ ألم وظلم أمة تكافح منذ عامين من أجل تحرير أرضها مواجهةً لأشد جيوش المنطقة تسليحًا والمدعومة من عشرات القوى العالمية.
نعم، صمود أهل غزة الذين لم يستسلموا أمام هجمات العدو الإسرائيلي الشرس وداعميه الغربيين أحيى ضمير العالم ودفعه للتحرك من أجل إنقاذ الإنسانية. اليوم يشهد العالم قافلة بحرية اسمها «صمود» لكسر حصار غزة.
قافلة أطلقها ناشطو حقوق الإنسان وندّاؤُو الضمير لتكون عزاءً ولو بسيطًا لأطفال غزة الذين أيامًا وأسابيع لا يجدون طعامًا أو ماءً، ولتضيء شعاع أمل للأمهات والآباء المهانين منذ زمن، بينما يصطفون من أجل لقمة خبز في مراكز توزيع الطعام ويصبحون أهدافًا لقناصة إسرائيليين وأمريكيين. قافلة الصمود هي علامة على بقايا الإنسانية في العالم، تُضيء في القلوب أملاً بأنّ البشر ما زالوا ممكناً أن يُؤمل بهم.
قافلة الصمود في طريقها إلى غزة منذ أسابيع لتفضح مرة أخرى زيف إسرائيل من أعلى السماء إلى الأرض. وانطلقت القافلة متوكلة على كل القوانين الدولية والإنسانية، لكن في مياه قرب سواحل غزة هاجمتها القوات البحرية الإسرائيلية، فأعادت اعتقال المشاركين ومصادرة المساعدات كما فعلت سابقًا.
لا يجب أن نُخدع؛ علينا أن نكون يقظين تجاه التبريرات والأكاذيب التي سيستخدمها قادة إسرائيل لتبرير هذه الجريمة. يجب أن نعلم أن ما كان على تلك السفن لم يكن أسلحة أو ذخائر أو صواريخ، بل كان طعامًا ودواءً للنساء والرجال والأطفال الذين صاروا منذ عامين تحت الأنقاض عطشى وجائعين أو يموتون من شدّة الجراح. إن إسرائيل بهذه الهجمات أعطت مرة أخرى دليلاً بأنها لا تلتزم بأي قانون عالمي.
علينا نحن الشعوب العربية والإسلامية أن نُعيد ترديد هذه الحقيقة: حلفاء إسرائيل لن يمدوا لنا يد صداقة أبداً، واعترافهم بفلسطين ودموع التماسيح على غزة ليست نابعة من شعور إنساني صادق بل رداً على موجة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في شوارعهم.
لو كان الأوروبيون والأمريكيون صادقين لرافقت قواهم الجوية وحاملاتهم البحرية قافلة الصمود ومنعت أي اعتداءٍ إسرائيلي عليها. حان الوقت لنوقظ أنفسنا ونرى كيف أن الغرب الذي ينهب سنويًا مليارات الدولارات من ثروات الدول العربية والإسلامية عبر بيع الأسلحة لا يحتمل رؤية وصول بضع قوارب وحمولات صغيرة من الطعام والدواء إلى غزة.
يجب أن نستيقظ نحن الشعوب العربية والإسلامية أمام كل هذه التطورات والحقائق، ونكسر الصمت، ونتحرك لإطلاق قوافل صمود جديدة. يجب أن نغامر ونُظهر للعالم أن الشعوب العربية والإسلامية لن تتخلى عن الإنسانية التي تتجلى اليوم في كسر حصار غزة.
اليوم يوم اليقظة للصمودين الإسلامي والعربي. إن لم نشرع هذا الطريق اليوم فقد يفوتنا الغد لإيقاظ الضمائر، لأن مع خطة ترامب وجنون القوة لدى نتنياهو سيُغرقُ غزة بالدم والرماد، ولن يبقَ طفلٌ في غزة يطلب حليب رضّع، ولن يبقَ أبٌ أو أمٌ يخجلان أمام أطفالهم — وحينها سنبقى نحن وضمائرنا، لكن سيكون الأوان قد فات.