
بيـــان
لقد وقفت الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) على ما وقع يومي27 و 28 شتنبر 2025 وعلى حجم العنف الممارس ضد فئة من الشباب المغربي (إناثا وذكورا)، وكذا على كل الاعتقالات التي استهدفتهم، لا لشيء سوى لقيامهم بالدعوة إلى مسيرات سلمية في مجموعة من المدن من أجل مطالب جد عادية وبسيطة وضرورية، كالحق في الصحة والتعليم، مطالب تدخل ضمن الحقوق الأولية والأساسية للمواطنة. لكن مع الأسف، فإن الدولة المغربية كالعادة وككل مرة تخطأ الموعد مع التاريخ، وتتحرك خارج الأنساق التاريخية، لأنها ولحد الآن لم تستوعب الدروس والعبر من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية السابقة، وأن سياسة القمع لم ولن تكون الحل الأمثل، بل على العكس تزيد في تأجيج الوضع وتأزيمه، وتزيد في اتساع الهوة بين الشعب المغربي باختلاف فئاته وبين الدولة، وفقدان الثقة فيها وفي مؤسساتها، هذه الثقة التي انعدمت أصلا بفعل كل التجارب والسياسات الحكومية المتعاقبة الفاشلة.
إن الوقوف على واقع الحال يبين بالملموس أن الدولة وكل القرارات الصادرة عنها أصبحت مرهونة لأقلية تم استقدامها من عالم المال لتمتهن السياسة بمنطق الربح والريع لا بمنطق مصلحة الوطن، وأن دخول هذه الفئة لعالم السياسة هو إجراء تحت الطلب الهدف منه تمييع السياسة وتهميش وإضعاف كل القوى السياسية الديمقراطية والحداثية، واقع أصبح يضع الدولة في مواجهة مباشرة مع الشعب المغربي، خصوصا بعد تخلي هذه الأخيرة عن أدوارها الاجتماعية واستقالتها من كل القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم وشغل وسكن، وترك الشعب المغربي في مواجهة حقيقية مع المافيا المتسلطة على الثروة الوطنية.
إن محاربة الدولة للعمل السياسي الجاد والحقيقي، لن يزيد إلا في عزلتها، وأن سياسة القمع والترهيب، وتكميم الأفواه هو جواب خاطئ، وأن الاحتجاجات قد أصبحت واقعا يوميا لا يمكن إنكاره أو التهرب منه، في كل الجهات وفي مختلف المجالات وعلى مطالب متنوعة. إن الجواب الحقيقي هو الوعي الجماعي بحدة الأزمة، وحضور الإرادة السياسية والمسؤولية الملقاة على عاتق الدولة لتجنيب البلاد كل الانفجارات المحتملة الآتية أمام احتقان اجتماعي يتزايد يوما بعد يوم.
وفي نفس الوقت، وباعتبار أن الجميع يتحمل جزء من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع المزرية والمتردية، أحزاب سياسية مهادنة وفاقدة للبوصلة، منظمات نقابية أو البعض منها قايضت مصلحة المأجورين وحقوق الطبقة الشغيلة بالفتات والاستفادة من الامتيازات، ومجتمع مدني أغلبه يشتغل عند الطلب، مما يفرض طرح السؤال المحرج، لماذا هؤلاء الشباب هم الذين دعوا إلى هذه المسيرات عوض الهيآت الوسيطة من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية كهيآت مؤطرة وموجهة للمجتمع وفقا لروح الوثيقة الدستورية، والجواب الذي يجب على الجميع تقبله هو تخلي جل الأحزاب السياسية على أدوارها الحقيقية، مما يتطلب مراجعة عميقة لتصوراتها السياسية، وكذا أطروحاتها وممارساتها، وأن جزء كبير من هذه الأحزاب أصبحت جزء من اللعبة السياسية بفعل مهادنتها واستكانتها لسياسة الريع والمحسوبية والزبونية.
إن الكونفدرالية العامة للشغ(CGT) وبعد وقوفها على هذه الأوضاع فإنها:
− تحيي عاليا المبادرة النبيلة لهؤلاء الشباب بدعوتهم لمسيرات سلمية وحضارية ، كفعل واع من أجل تغيير حقيقي يطمح إلى المواطنة الحقيقية ، ويتصدى للحكرة الممنهجة على الشعب المغربي ويحقق كرامته، وأن الكونفدرالية العامة للشغل(CGT) كإطار مناضل منخرط في هذه الدينامية وداعم لها،
− تدين بشدة كل أشكال العنف الممارس ضد هؤلاء الشباب، والمطالبة بإطلاق سراح كل معتقلي هذه المسيرات وكل معتقلي الحركات الاحتجاجية الاجتماعية،
− تدعو الدولة إلى مراجعة أدوارها، وتحكيم النضج في التعاطي مع هذه الأشكال الاحتجاجية المطلبية المشروعة، والعمل على تنقية الأجواء من الفاسدين والانتهازيين، من أجل مشهد سياسي حقيقي ينتمي للمستقبل في تجسيده للإرادة الشعبية في التغيير، والقطع مع الفساد بكل أشكاله وجعل المجال السياسي مفتوحا في وجه أولئك الذين يغلبون المصلحة العامة عن المصلحة الشخصية.
− تطالب بجعل الوطن يتسع للجميع، واعتبار الاختلاف والتعدد غنى يجب المحافظة عليه وصيانته.
وعلى هذا الأساس، كنا ولا زلنا نطالب بجبهة اجتماعية مناضلة من بين مهامها إرجاع النبل للعمل النقابي، على اعتبار أنه المدخل الحقيقي للجواب على العزوف، وكذا تحقيقا للمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة وعموم الجماهير، وكذا جدلية النقابي والسياسي التي تفرض تلاقي البرامج السياسية مع البرامج النقابية.
وحرر بتاريخ 28 شتنبر 2025
المكتب المركزي